فصل: باب الرخصة في إعادة الجماعة وركعتي الطواف في كل وقت

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار **


 باب الأوقات المنهي عن الصلاة فيها

1 - عن أبي سعيد‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال‏:‏ لا صلاة بعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس ولا صلاة بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏ وفي لفظ‏:‏ ‏(‏لا صلاة بعد صلاتين بعد الفجر حتى تطلع الشمس وبعد العصر حتى تغرب‏)‏ رواه أحمد والبخاري‏.‏

2 - وعن عمر بن الخطاب‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم نهى عن الصلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس وبعد العصر حتى تغرب الشمس‏)‏‏.‏

ورواه أبو هريرة مثل ذلك متفق عليهما‏.‏ وفي لفظ عن عمر‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس ولا صلاة بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس‏)‏ رواه البخاري‏.‏ ورواه أحمد وأبو داود وقالا فيه‏:‏ ‏(‏بعد صلاة العصر‏)‏‏.‏

في الباب عن جماعة من الصحابة‏.‏ منهم عمرو بن عبسة وابن عمر وسيذكر ذلك المصنف‏.‏

وعن ابن مسعود عند الطحاوي بلفظ‏:‏ ‏(‏كنا ننهى عن الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها ونصف النهار‏)‏‏.‏

وعن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص عند الطبراني في الأوسط قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ لا تصلوا بعد الفجر حتى تطلع الشمس ولا بعد العصر حتى تغرب الشمس‏)‏‏.‏

وعن معاذ بن عفراء أشار إليه الترمذي وذكره ابن سيد الناس في شرحه بنحو حديث أبي سعيد‏.‏

وعن زيد بن ثابت عند الطبراني‏:‏ ‏(‏أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم نهى عن الصلاة بعد العصر‏)‏‏.‏

وعن كعب بن مرة عند الطبراني أيضًا بنحو حديث عمرو بن عبسة الآتي‏.‏

وعن سلمة بن الأكوع أشار إليه الترمذي‏.‏

وعن علي عند أبي داود قال‏:‏ ‏(‏كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يصلي في أثر كل صلاة مكتوبة ركعتين إلا الفجر والعصر‏)‏‏.‏

وفي الباب عن جماعة ذكرهم الترمذي والحافظ في التلخيص‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا صلاة‏)‏ قال ابن دقيق العيد‏:‏ صيغة النفي إذا دخلت في ألفاظ الشارع على فعل كان الأولى حملها على نفي الفعل الشرعي لا الحسي لأنا لو حملناه على نفي الحسي لاحتجنا في تصحيحه إلى إضمار والأصل عدمه وإذا حملناه على الشرعي لم نحتج إلى إضمار فهذا وجه الأولوية وعلى هذا فهو نفي بمعنى النهي‏.‏ والتقدير لا تصلوا كما تقدم التصريح بذلك في حديث أبي هريرة وابن عمرو بن العاص وسيأتي حديث علي‏.‏

وحكى أبو الفتح اليعمري عن جماعة من السلف أنهم قالوا‏:‏ إن النهي عن الصلاة بعد الصبح وبعد العصر إنما هو إعلام بأنه لا يتطوع بعدهما ولم يقصد الوقت بالنهي كما قصد به وقت الطلوع ووقت الغروب‏.‏

ويؤيد ذلك ما رواه أبو داود والنسائي بإسناد حسن كما قال الحافظ عن علي عليه السلام عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏لا تصلوا بعد الصبح ولا بعد العصر إلا أن تكون الشمس نقية‏)‏ وفي رواية‏:‏ ‏(‏مرتفعة‏)‏ فدل على أن المراد بالبعدية ليس على عمومه وإنما المراد وقت الطلوع ووقت الغروب وما قاربهما كذا في الفتح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بعد صلاة العصر وبعد صلاة الفجر‏)‏ هذا تصريح بأن الكراهة متعلقة بفعل الصلاة لا بدخول وقت الفجر والعصر‏.‏ وكذا قوله في الرواية الأخرى‏:‏ ‏(‏لا صلاة بعد الصلاتين‏)‏ وكذا قوله في رواية ابن عمر‏:‏ ‏(‏لا صلاة بعد صلاة الصبح‏)‏ وكذا قوله في حديث عمرو بن عبسة الآتي‏:‏ ‏(‏صل صلاة الصبح ثم اقصر‏)‏ وقوله‏:‏ ‏(‏حتى تصلي العصر ثم اقصر‏)‏ فتحمل الأحاديث المطلقة على الأحاديث المقيدة بهذه الزيادة‏.‏

ـ وقد اختلف ـ أهل العلم في الصلاة بعد العصر وبعد الفجر فذهب الجمهور إلى أنها مكروهة وادعى النووي الاتفاق على ذلك وتعقبه الحافظ بأنه قد حكى عن طائفة من السلف الإباحة مطلقًا وأن أحاديث النهي منسوخة قال‏:‏ وبه قال داود وغيره من أهل الظاهر وبذلك جزم ابن حزم وهو أيضًا مذهب الهادي والقاسم عليهما السلام وقد اختلف القائلون بالكراهة فذهب الشافعي والمؤيد باللَّه إلى أنه يجوز من الصلاة في هذين الوقتين ما له سبب واستدلا بصلاته صلى اللَّه عليه وآله وسلم سنة الظهر بعد العصر وقد تقدم الجواب عن هذا الاستدلال في باب تحية المسجد وذهب أبو حنيفة إلى كراهة التطوعات في هذين الوقتين مطلقًا وحكى عن جماعة منهم أبو بكرة وكعب بن عجرة المنع من صلاة الفرض في هذه الأوقات‏.‏

ـ واستدل ـ القائلون بالإباحة مطلقًا بأدلة‏:‏ منها دعوى النسخ لأحاديث الباب صرح بذلك ابن حزم وغيره وجعلوا الناسخ حديث‏:‏ ‏(‏من أدرك من الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس ومن أدرك من العصر ركعة قبل أن تغرب الشمس‏)‏ وقد تقدم ولكنه خاص بصلاة الفرض فلا يصلح لنسخ أحاديث الباب على فرض تأخره وغاية ما فيه تخصيص صلاة الفريضة من عموم النهي‏.‏

ـ واستدلوا ـ أيضًا بحديث صلاته صلى اللَّه عليه وآله وسلم لركعتي الظهر بعد العصر وقد تقدم الجواب عنه‏.‏ واستدلوا أيضًا بحديث علي المتقدم لتقييد النهي فيه بقوله‏:‏ ‏(‏إلا أن تكون الشمس بيضاء نقية‏)‏ وقد تقدم أن الحافظ قال في الفتح‏:‏ إن إسناده حسن وقال في موضع آخر منه‏:‏ إن إسناده صحيح‏.‏ وهذا وإن كان صالحًا لتقييد الأحاديث المذكورة في الباب القاضية بمنع الصلاة بعد صلاة العصر على الإطلاق بما عدا الوقت الذي تكون الشمس فيه بيضاء نقية لكنه أخص من دعوى مدعي الإباحة للصلاة بعد العصر وبعد الفجر مطلقًا‏.‏

ـ واستدلوا ـ أيضًا بما رواه مسلم عن عائشة أنها قالت‏:‏ وهم عمر إنما نهى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم أن يتحرى طلوع الشمس وغروبها‏.‏ وبما رواه البخاري عن ابن عمر أنه قال‏:‏ أصلي كما رأيت أصحابي يصلون ولا أنهى أحدًا يصلي بليل أو نهار ما شاء غير أن لا تحروا طلوع الشمس ولا غروبها‏.‏

ويجاب عن الاستدلال بقول عائشة بأن الذي رواه عمر عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم ثابت من طريق جماعة من الصحابة كما تقدم فلا اختصاص له بالوهم وهم مثبتون وناقلون للزيادة فروايتهم مقدمة وعدم علم عائشة لا يستلزم العدم فقد علم غيرها بما لا تعلم‏.‏

ويجاب عن الاستدلال بقول ابن عمر بأنه قول صحابي لا حجة فيه ولا يعارض المرفوع على أنه قد روي عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم خلاف ما رآه كما سيأتي‏.‏

ـ واستدلوا ـ أيضًا بما أخرجه البخاري وغيره من حديث ابن عمر قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ لا تحروا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها‏)‏‏.‏

قالوا‏:‏ فتحمل الأحاديث المذكورة في الباب على هذا حمل المطلق على المقيد أو تبنى عليه بناء العام على الخاص ويجاب بأن هذا من التنصيص على أحد أفراد العام وهو لا يصلح للتخصيص كما تقرر في الأصول ‏.‏

واعلم أن الأحاديث القاضية بكراهة الصلاة بعد صلاة العصر والفجر عامة فما كان أخص منها مطلقًا كحديث يزيد بن الأسود وابن عباس الآتيين في الباب الذي بعد هذا وحديث علي المتقدم وقضاء سنة الظهر بعد العصر وسنة الفجر بعده للأحاديث المتقدمة في ذلك فلا شك أنها مخصصة لهذا العموم وما كان بينه وبين أحاديث الباب عموم وخصوص من وجه كأحاديث تحية المسجد وأحاديث قضاء الفوائت وقد تقدمت والصلاة على الجنازة لقوله صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏يا علي ثلاث لا تؤخرها الصلاة إذا أتت والجنازة إذا حضرت‏)‏ الحديث‏.‏ أخرجه الترمذي‏.‏

وصلاة الكسوف لقوله صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏فإذا رأيتموها فافزعوا إلى الصلاة‏)‏ والركعتين عقب التطهر لحديث أبي هريرة المتقدم‏.‏ وصلاة الاستخارة للأحاديث المتقدمة وغير ذلك فلا شك أنها أعم من أحاديث الباب من وجه وأخص منها من وجه وليس أحد العمومين أولى من الآخر بجعله خاصًا لما في ذلك من التحكم والوقف هو المتعين حتى يقع الترجيح بأمر خارج‏.‏

3 - وعن عمرو بن عبسة قال‏:‏ ‏(‏قلت يا نبي اللَّه أخبرني عن الصلاة قال‏:‏ صل صلاة الصبح ثم اقصر عن الصلاة حتى تطلع الشمس وترتفع فإنها تطلع حين تطلع بين قرني شيطان وحينئذ يسجد لها الكفار ثم صل فإن الصلاة مشهودة محضورة حتى يستقل الظل بالرمح ثم اقصر عن الصلاة فإن حينئذ تسجر جهنم فإذا أقبل الفيء فصل فإن الصلاة مشهودة محضورة حتى تصلي العصر ثم اقصر عن الصلاة حتى تغرب فإنها تغرب بين قرني شيطان وحينئذ يسجد لها الكفار‏)‏‏.‏

رواه أحمد ومسلم‏.‏ ولأبي داود نحوه وأوله عنده‏:‏ ‏(‏قلت يا رسول اللَّه أي الليل أسمع قال‏:‏ جوف الليل الآخر فصل ما شئت فإن الصلاة مشهودة مكتوبة حتى تصلي الصبح‏)‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وترتفع‏)‏ فيه أن النهي عن الصلاة بعد الصبح لا يزول بنفس طلوع الشمس بل لا بد من الارتفاع‏.‏ وقد وقع عند البخاري من حديث عمر المتقدم بلفظ‏:‏ ‏(‏حتى تشرق الشمس‏)‏ والإشراق الإضاءة‏.‏ وفي حديث عقبة الآتي‏:‏ ‏(‏حتى تطلع الشمس بازغة‏)‏ وذلك يبين أن المراد بالطلوع المذكور في حديث الباب وغيره الارتفاع والإضاءة لا مجرد الظهور ذكر معنى ذلك القاضي عياض‏.‏

قال النووي‏:‏ وهو متعين لا عدول عنه للجمع بين الروايات وقد ورد مفسرًا في بعض الروايات بارتفاعها قدر رمح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فإنها تطلع بين قرني شيطان‏)‏ قال النووي‏:‏ قيل المراد بقرني الشيطان حزبه وأتباعه‏.‏ وقيل غلبة أتباعه وانتشار فساده‏.‏ وقيل القرنان ناحيتا الرأس وأنه هو على ظاهره قال‏:‏ وهذا الأقوى ومعناه أنه يدني رأسه إلى الشمس في هذه الأوقات ليكون الساجدون لها من الكفار كالساجدين له في الصورة وحينئذ يكون له ولشيعته تسلط ظاهر وتمكن من أن يلبسوا على المصلين صلاتهم فكرهت الصلاة حينئذ صيانة لها كما كرهت في الأماكن التي هي مأوى الشيطان وفي رواية لأبي داود والنسائي‏:‏ ‏(‏فإنها تطلع بين قرني شيطان فيصلي لها الكفار‏)‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏مشهودة محضورة‏)‏ أي تشهدها الملائكة ويحضرونها وذلك أقرب إلى القبول وحصول الرحمة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حتى يستقل الظل بالرمح‏)‏ قال النووي‏:‏ معناه أنه يقوم مقابله في الشمال ليس مائلًا إلى المشرق ولا إلى المغرب وهذا حالة الاستواء انتهى‏.‏

والمراد أنه يكون الظل في جانب الرمح ولم يبق على الأرض من ظله شيء وهذا يكون في بعض أيام السنة ويقدر في سائر الأيام عليه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏تسجر جهنم‏)‏ بالسين المهملة والجيم والراء أي يوقد عليها إيقادًا بليغًا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فإذا أقبل الفيء‏)‏ أي ظهر إلى جهة المشرق والفيء مختص بما بعد الزوال وأما الظل فيقع على ما قبل الزوال وبعده‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حتى تصلي العصر‏)‏ فيه دليل على أن وقت النهي لا يدخل بدخول وقت العصر ولا بصلاة غير المصلي وإنما يكره لكل إنسان بعد صلاته نفسه حتى لو أخرها عن أول الوقت لم يكره التنفل قبلها وقد تقدم الكلام في ذلك‏.‏ وكذا قوله‏:‏ ‏(‏حتى تصلي الصبح‏)‏ قال المصنف رحمه اللَّه‏:‏ وهذه النصوص الصحيحة تدل على أن النهي في الفجر لا يتعلق بطلوعه بل بالفعل كالعصر انتهى‏.‏

والحديث يدل على كراهة التطوعات بعد صلاة العصر والفجر وقد تقدم ذلك وعلى كراهتها أيضًا عند طلوع الشمس وعند قائمة الظهيرة وعند غروبها وسيأتي الكلام على هذه الأوقات‏.‏

4 - وعن يسار مولى ابن عمر قال‏:‏ ‏(‏رآني ابن عمر وأنا أصلي بعد ما طلع الفجر فقال‏:‏ إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم خرج علينا ونحن نصلي هذه الساعة فقال‏:‏ ليبلغ شاهدكم غائبكم أن لا صلاة بعد الصبح إلا ركعتين‏)‏‏.‏

رواه أحمد وأبو داود‏.‏

وأخرجه أيضًا الدارقطني والترمذي وقال‏:‏ غريب لا يعرف إلا من حديث قدامة ابن موسى‏.‏ قال الحافظ‏:‏ وقد اختلف في اسم شيخه فقيل أيوب بن حصين‏.‏ وقيل محمد بن حصين وهو مجهول‏.‏ وأخرجه أبو يعلى والطبراني من وجهين آخرين عن ابن عمر نحوه‏.‏ ورواه ابن عدي من طريق محمد بن عبد الرحمن البيلماني عن أبيه عن ابن عمر ورواه أيضًا الدارقطني من حديث عبد اللَّه بن عمرو بن العاص وفي إسناده الإفريقي‏.‏ ورواه أيضًا الطبراني من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وفي سنده رواد بن الجراح‏.‏ ورواه أيضًا البيهقي من حديث سعيد بن المسيب مرسلًا وقال‏:‏ روي موصولًا عن أبي هريرة ولا يصح‏.‏ ورواه موصولًا الطبراني وابن عدي وسنده ضعيف والمرسل أصح‏.‏

والحديث يدل على كراهة التطوع بعد طلوع الفجر إلا ركعتي الفجر قال الترمذي‏:‏ وهو مما أجمع عليه أهل العلم كرهوا أن يصلي الرجل بعد طلوع الفجر إلا ركعتي الفجر‏.‏ قال الحافظ في التلخيص‏:‏ دعوى الترمذي الإجماع على الكراهة لذلك عجيب فإن الخلاف فيه مشهور حكاه ابن المنذر وغيره وقال الحسن البصري‏:‏ لا بأس به وكان مالك يرى أن يفعله من فاتته صلاة بالليل‏.‏ وقد أطنب في ذلك محمد بن نصر في قيام الليل انتهى‏.‏

وطرق حديث الباب يقوي بعضها بعضًا فتنتهض للاحتجاج بها على الكراهة‏.‏ وقد أفرط ابن حزم فقال‏:‏ الروايات في أنه لا صلاة بعد الفجر إلا ركعتا الفجر ساقطة مطروحة مكذوبة‏.‏

5 - وعن عقبة بن عامر قال‏:‏ ‏(‏ثلاث ساعات نهانا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم أن نصلي فيهن أو أن نقبر فيهن موتانا حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع وحين يقوم قائم الظهيرة وحين تضيف للغروب حتى تغرب‏)‏‏.‏

رواه الجماعة إلا البخاري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن نقبر‏)‏ هو بضم الباء الموحدة وكسرها لغتان‏.‏ قال النووي‏:‏ قال بعضهم المراد بالقبر صلاة الجنازة وهذا ضعيف لأن صلاة الجنازة لا تكره في هذا الوقت بالإجماع فلا يجوز تفسير الحديث بما يخالف الإجماع بل الصواب أن معناه تعمد تأخير الدفن إلى هذه الأوقات كما يكره تعمد تأخير العصر إلى اصفرار الشمس بلا عذر وهي صلاة المنافقين قال‏:‏ فأما إذا وقع الدفن بلا تعمد في هذه الأوقات فلا يكره انتهى‏.‏

وظاهر الحديث أن الدفن في هذه الأوقات محرم من غير فرق بين العامد وغيره إلا أن يخص غير العامد بالأدلة القاضية برفع الجناح عنه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بازغة‏)‏ أي ظاهرة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏تضيف‏)‏ ضبطه النووي في شرح مسلم بفتح التاء والضاد المعجمة وتشديد الياء‏.‏ والمراد به الميل‏.‏

والحديث يدل على تحريم الصلاة في هذه الأوقات وكذا الدفن وقد حكى النووي الإجماع على الكراهة قال‏:‏ واتفقوا على جواز الفرائض المؤداة فيها واختلفوا في النوافل التي لها سبب كصلاة التحية وسجود التلاوة والشكر وصلاة العيد والكسوف وصلاة الجنازة وقضاء الفوائت ومذهب الشافعي وطائفة جواز ذلك كله بلا كراهة ومذهب أبي حنيفة وآخرين أنه داخل في النهي لعموم الأحاديث انتهى‏.‏

وجعله لصلاة الجنازة ههنا من جملة ما وقع فيه الخلاف ينافي دعواه الإجماع على عدم كراهتها كما تقدم عنه‏.‏

ومن القائلين بكراهة قضاء الفرائض في هذه الأوقات زيد بن علي والمؤيد باللَّه والداعي والإمام يحيى قالوا لشمول النهي للقضاء لأن دليل المنع لم يفصل‏.‏

ـ واحتج القائلون ـ بجواز قضاء الفرائض في هذه الأوقات وهم الهادي والقاسم والشافعي ومالك بقوله صلى اللَّه عليه وسلم‏:‏ ‏(‏من نام عن صلاته أو سها عنها فوقتها حين يذكرها‏)‏ الحديث المتقدم فجعلوه مخصصًا لأحاديث الكراهة وهو تحكم لأنه أعم منها من وجه وأخص من وجه وليس أحد العمومين أولى بالتخصيص من الآخر وكذلك الكلام في فعل الصلاة المفروضة في هذه الأوقات أداء إلا أن حديث‏:‏ ‏(‏من أدرك من الفجر ركعة قبل أن تطلع الشمس ومن أدرك من العصر ركعة قبل أن تغرب الشمس‏)‏ أخص من أحاديث النهي مطلقًا فيقدم عليها وقد استثنى الشافعي وأصحابه وأبو يوسف الصلاة عند قائمة الظهيرة يوم الجمعة خاصة وهي رواية عن الأوزاعي وأهل الشام واستدلوا بما رواه الشافعي عن أبي هريرة‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم نهى عن الصلاة نصف النهار حتى تزول الشمس إلا يوم الجمعة‏)‏ وفي إسناده إبراهيم بن أبي يحيى وإسحاق بن عبد اللَّه بن أبي فروة وهما ضعيفان‏.‏ ورواه البيهقي من طريق أبي خالد الأحمر عن عبد اللَّه شيخ من أهل المدينة عن سعيد عن أبي هريرة ورواه الأثرم بسند فيه الواقدي وهو متروك‏.‏ ورواه البيهقي أيضًا بسند آخر فيه عطاء بن عجلان وهو متروك أيضًا وقد روى الشافعي عن ثعلبة ابن أبي مالك عن عامة الصحابة أنهم كانوا يصلون نصف النهار يوم الجمعة‏.‏

ـ وفي الباب ـ عن واثلة عند الطبراني قال الحافظ‏:‏ بسند واه‏.‏ وعن أبي قتادة عند أبي داود والأثرم أنه صلى اللَّه عليه وآله وسلم كره الصلاة نصف النهار إلا يوم الجمعة وقال‏:‏ ‏(‏إن جهنم تسجر إلا يوم الجمعة‏)‏ وفيه ليث بن أبي سليم وهو ضعيف وهو أيضًا منقطع لأنه من رواية أبي الخليل عن أبي قتادة ولم يسمع منه‏.‏

6 - وعن ذكوان مولى عائشة أنها حدثته‏:‏ ‏(‏أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم كان يصلي بعد العصر وينهى عنها ويواصل وينهى عن الوصال‏)‏‏.‏

رواه أبو داود‏.‏

الحديث في إسناده محمد بن إسحاق عن محمد بن عمرو بن عطاء وفيه مقال إذا لم يصرح بالتحديث وهو هنا قد عنعن فينظر في عنعنته كما قال الحافظ وقد قدمنا في باب قضاء سنة الظهر ما يدل على اختصاص ذلك به صلى اللَّه عليه وآله وسلم ‏.‏

 باب الرخصة في إعادة الجماعة وركعتي الطواف في كل وقت

1 - عن يزيد بن الأسود قال‏:‏ ‏(‏شهدت مع النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم حجته فصليت معه صلاة الصبح في مسجد الخيف فلما قضى صلاته انحرف فإذا هو برجلين في أخرى القوم ولم يصليا فقال‏:‏ عليَّ بهما‏.‏ فجيء بهما ترعد فرائصهما فقال‏:‏ ما منعكما أن تصليا معنا فقالا‏:‏ يا رسول اللَّه إنا كنا قد صلينا في رحالنا قال‏:‏ فلا تفعلا إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا معهم فإنها لكما نافلة‏)‏‏.‏

رواه الخمسة إلا ابن ماجه‏.‏ وفي لفظ لأبي داود‏:‏ ‏(‏إذا صلى أحدكم في رحله ثم أدرك الصلاة مع الإمام فليصلها معه فإنها له نافلة‏)‏‏.‏

الحديث أخرجه أيضًا الدارقطني وابن حبان والحاكم وصححه ابن السكن وقال الترمذي‏:‏ حسن صحيح‏.‏ وقد أخرجوه كلهم من طريق يعلى بن عطاء عن جابر بن يزيد ابن الأسود عن أبيه قال الشافعي في القديم‏:‏ إسناده مجهول‏.‏ قال البيهقي‏:‏ لأن يزيد بن الأسود ليس له راو غير ابنه ولا لابنه جابر راو غير يعلى‏.‏

قال الحافظ‏:‏ يعلى من رجال مسلم وجابر وثقه النسائي وغيره وقد وجدنا لجابر بن يزيد راويًا غير يعلى أخرجه ابن منده في المعرفة من طريق شيبة عن إبراهيم بن أبي أمامة عن عبد الملك بن عمير عن جابر‏.‏

ـ وفي الباب ـ عن أبي ذر عند مسلم في حديث أوله‏:‏ ‏(‏كيف أنت إذا كان عليك أمراء يؤخرون الصلاة عن وقتها‏)‏ وفيه‏:‏ ‏(‏فإن أدركتها معهم فصل فإنها لك نافلة‏)‏‏.‏

وعن ابن مسعود عند مسلم بنحوه وعن شداد بن أوس عند البزار‏.‏ وعن محجن الديلي عند مالك في الموطأ والنسائي وابن حبان والحاكم‏.‏ وعن أبي أيوب عند أبي داود‏:‏ ‏(‏أنه سأله رجل من بني أسد بن خزيمة فقال‏:‏ يصلي أحدنا في منزله الصلاة ثم يأتي المسجد وتقام الصلاة فأصلي معهم فأجد في نفسي من ذلك شيئًا فقال أبو أيوب‏:‏ سألنا عن ذلك النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏فذلك له سهم جمع‏)‏ وفي إسناده رجل مجهول‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ترعد‏)‏ بضم أوله وفتح ثالثه أي تتحرك كذا قال ابن رسلان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فرائصهما‏)‏ جمع فريصة بالصاد المهملة وهي اللحمة من الجنب والكتف التي لا تزال ترعد أي تتحرك من الدابة واستعير للإنسان لأن له فريصة وهي ترجف عند الخوف‏.‏

وقال الأصمعي‏:‏ الفريصة لحمة بين الكتف والجنب‏.‏ وسبب ارتعاد فرائصهما ما اجتمع في رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من الهيبة العظيمة والحرمة الجسيمة لكل من رآه مع كثرة تواضعه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم أتيتما مسجد جماعة‏)‏ لفظ أبي داود‏:‏ ‏(‏إذا صلى أحدكم في رحله ثم أدرك الإمام ولم يصل فليصل معه‏)‏ وفي لفظ ابن حبان‏:‏ ‏(‏إذا صليتما في رحالكما ثم أدركتما الصلاة فصليا‏)‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فإنها لكما نافلة‏)‏ فيه تصريح بأن الثانية في الصلاة المعادة نافلة وظاهره عدم الفرق بين أن تكون الأولى جماعة أو فرادى لأن ترك الاستفصال في مقام الاحتمال ينزل منزلة العموم في المقال‏.‏

قال ابن عبد البر‏:‏ قال جمهور الفقهاء إنما يعيد الصلاة مع الإمام في جماعة من صلى وحده في بيته أو في غير بيته‏.‏ وأما من صلى في جماعة وإن قلت فلا يعيد في أخرى قلت أو كثرت ولو أعاد في جماعة أخرى لأعاد في ثالثة ورابعة إلى ما لا نهاية له وهذا لا يخفى فساده قال‏:‏ وممن قال بهذا القول مالك وأبو حنيفة والشافعي وأصحابهم‏.‏ ومن حجتهم قوله صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏لا تصلي صلاة في يوم مرتين‏)‏ انتهى‏.‏

وذهب الأوزاعي والهادي وبعض أصحاب الشافعي وهو قول الشافعي القديم إلى أن الفريضة هي الثانية إذا كانت الأولى فرادى واستدلوا بما أخرجه أبو داود عن يزيد بن عامر قال‏:‏ ‏(‏جئت والنبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم في الصلاة فجلست ولم أدخل معهم في الصلاة فانصرف علينا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم فرآه جالسًا فقال‏:‏ ألم تسلم يا يزيد قال‏:‏ بلى يا رسول اللَّه قد أسلمت قال‏:‏ فما منعك أن تدخل مع الناس في صلاتهم قال‏:‏ إني كنت قد صليت في منزلي وأنا أحسب أن قد صليتم فقال‏:‏ إذا جئت إلى الصلاة فوجدت الناس فصل معهم وإن كنت قد صليت تكن لك نافلة وهذه مكتوبة‏)‏‏.‏

ولكنه قد ضعفه النووي وقال البيهقي‏:‏ إن حديث يزيد بن الأسود أثبت منه وأولى‏.‏ ورواه الدارقطني بلفظ‏:‏ ‏(‏وليجعل التي صلى في بيته نافلة‏)‏ وقال‏:‏ هي رواية ضعيفة شاذة انتهى‏.‏

وعلى فرض صلاحية حديث يزيد بن عامر للاحتجاج به فالجمع بينه وبين حديث الباب ممكن بحمل حديث الباب على من صلى الصلاة الأولى في جماعة وحمل هذا على من صلى منفردًا كما هو الظاهر من سياق الحديثين ويكونان مخصصين لحديث ابن عمر عند أبي داود والنسائي وابن خزيمة وابن حبان بلفظ‏:‏ ‏(‏سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يقول‏:‏ لا تصلوا صلاة في يوم مرتين‏)‏ على فرض شموله لإعادة الفريضة من غير فرق بين أن تكون الإعادة بنية الافتراض أو التطوع‏.‏ وأما إذا كان النهي مختصًا بإعادة الفريضة بنية الافتراض فقط فلا يحتاج إلى الجمع بينه وبين حديث الباب‏.‏

ومن جملة المخصصات لحديث ابن عمر المذكور حديث أبي سعيد قال‏:‏ ‏(‏صلى لنا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم فدخل رجل فقام يصلي الظهر فقال‏:‏ ألا رجل يتصدق على هذا فيصلي معه‏)‏ أخرجه الترمذي وحسنه ابن حبان والحاكم والبيهقي‏.‏

وحديث الباب يدل على مشروعية الدخول مع الجماعة بنية التطوع لمن كان قد صلى تلك الصلاة وإن كان الوقت وقت كراهة للتصريح بأن ذلك كان في صلاة الصبح وإلى ذلك ذهب الشافعي فيكون هذا مخصصًا لعموم الأحاديث القاضية بكراهة الصلاة بعد صلاة الصبح ومن جوز التخصيص بالقياس ألحق به ما ساواه من أوقات الكراهة‏.‏

وظاهر التقييد بقوله صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏ثم أتيتما مسجد جماعة‏)‏ أن ذلك مختص بالجماعات التي تقام في المساجد لا التي تقام في غيرها فيحمل المطلق من ألفاظ حديث الباب كلفظ أبي داود وابن حبان المتقدمين على المقيد بمسجد الجماعة ويؤيد ذلك ما أخرجه أبو داود والنسائي عن سليمان بن يسار مولى ميمونة قال‏:‏ ‏(‏رأيت ابن عمر جالسًا على البلاط وهو موضع مفروش بالبلاط بين المسجد والسوق بالمدينة وهم يصلون فقلت‏:‏ ألا تصلي معهم فقال‏:‏ قد صليت إني سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يقول‏:‏ لا تصلوا صلاة في يوم مرتين‏)‏‏.‏

2 - وعن جبير بن مطعم‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحدًا طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة شاء من ليل أو نهار‏)‏‏.‏

رواه الجماعة إلا البخاري‏.‏

3 - وعن ابن عباس‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ يا بني عبد المطلب أو يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحدًا يطوف بالبيت ويصلي فإنه لا صلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس ولا بعد العصر حتى تغرب الشمس إلا عند هذا البيت يطوفون ويصلون‏)‏‏.‏

رواه الدارقطني‏.‏

الحديث الأول أخرجه أيضًا ابن خزيمة وابن حبان والدارقطني وصححه الترمذي ورواه الدارقطني من وجهين آخرين عن جابر‏.‏

قال الحافظ‏:‏ وهو معلول فإن المحفوظ عن جبير لا عن جابر وقد عزا المصنف رحمه اللَّه حديث الباب إلى مسلم لأنه لم يستثن من الجماعة إلا البخاري وهو خطأ‏.‏ قال الحافظ في التلخيص‏:‏ عزا المجد ابن تيمية حديث جبير لمسلم فإنه قال رواه الجماعة إلا البخاري وهذا وهم منه تبعه عليه المحب الطبري فقال‏:‏ رواه السبعة إلا البخاري‏.‏ وابن الرفعة وقال‏:‏ رواه مسلم وكأنه واللَّه أعلم لما رأى ابن تيمية عزاه إلى الجماعة دون البخاري اقتطع مسلمًا من بينهم واكتفى به عنهم ثم ساقه باللفظ الذي أورده ابن تيمية فأخطأ مكررًا انتهى‏.‏

والحديث الثاني أخرجه أيضًا الطبراني وأبو نعيم في تاريخ أصبهان والخطيب في تلخيصه‏.‏ قال ابن حجر في التلخيص‏:‏ وهو معلول‏.‏ وروى ابن عدي عن أبي هريرة حديث‏:‏ ‏(‏لا صلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس‏)‏ وزاد في آخره‏:‏ ‏(‏من طاف فليصل‏)‏ أي حين طاف وقال‏:‏ لا يتابع عليه وكذا قال البخاري‏.‏

وقد استدل بحديثي الباب على جواز الطواف والصلاة عقيبه في أوقات الكراهة وإلى ذلك ذهب الشافعي والمنصور باللَّه وذهب الجمهور إلى العمل بالأحاديث القاضية بالكراهة على العموم ترجيحًا لجانب ما اشتمل على الكراهة وأنت خبير بأن حديث جبير بن مطعم لا يصلح لتخصيص أحاديث النهي المتقدمة لأنه أعم منها من وجه وأخص من وجه وليس أحد العمومين أولى بالتخصيص من الآخر لما عرفت غير مرة‏.‏

وأما حديث ابن عباس فهو صالح لتخصيص النهي عن الصلاة بعد العصر وبعد الفجر لكن بعد صلاحيته للاحتجاج وهو معلول كما تقدم‏.‏ ويؤيده حديث أبي ذر عند الشافعي بلفظ‏:‏ ‏(‏لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس ولا صلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس إلا بمكة‏)‏ وكرر الاستثناء ثلاثًا‏.‏

ورواه أيضًا أحمد وابن عدي وفي إسناده عبد اللَّه بن المؤمل وهو ضعيف‏.‏ وذكر ابن عدي هذا الحديث من جملة ما أنكر عليه‏.‏ وقال البيهقي‏:‏ تفرد به عبد اللَّه ولكن تابعه إبراهيم بن طهمان وهو أيضًا من رواية مجاهد عن أبي ذر وقد قال أبو حاتم وابن عبد البر والبيهقي والمنذري وغير واحد‏:‏ أنه لم يسمع منه‏.‏ وقد رواه أيضًا ابن خزيمة في صحيحه وقال‏:‏ أنا أشك في سماع مجاهد من أبي ذر وهذا الحديث إن صح كان دالًا على جواز الصلاة في مكة بعد العصر وبعد الفجر من غير فرق بين ركعتي الطواف وغيرهما من التطوعات التي لا سبب لها والتي لها سبب‏.‏

 أبواب سجود التلاوة والشكر

 باب مواضع السجود في الحج وص والمفصل

1 - عن عمرو بن العاص‏:‏ ‏(‏أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم أقرأه خمس عشرة سجدة في القرآن منها ثلاث في المفصل وفي الحج سجدتان‏)‏‏.‏

رواه أبو داود وابن ماجه ‏.‏

الحديث أخرجه أيضًا الدارقطني والحاكم وحسنه المنذري والنووي وضعفه عبد الحق وابن القطان وفي إسناده عبد اللَّه بن منين الكلابي وهو مجهول والراوي عنه الحارث بن سعيد العتقي المصري وهو لا يعرف أيضًا كذا قال الحافظ‏.‏ وقال ابن ماكولا‏:‏ ليس له غير هذا الحديث‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏خمس عشرة سجدة‏)‏ فيه دليل على أن مواضع السجود خمسة عشر موضعًا وإلى ذلك ذهب أحمد والليث وإسحاق وابن وهب وابن حبيب من المالكية وابن المنذر وابن سريج من الشافعية وطائفة من أهل العلم فأثبتوا في الحج سجدتين وفي ص‏.‏

وذهب أبو حنيفة وداود والهادوية إلى أنها أربع عشرة سجدة‏)‏ إلا أن أبا حنيفة لم يعد في سورة الحج إلا سجدة وعد سجدة ص‏.‏ والهادوية عدوا في الحج سجدتين ولم يعدوا سجدة ص‏.‏ وذهب الشافعية في القديم والمالكية إلى أنها إحدى عشرة وأخرج سجدات المفصل وهي ثلاث كما يأتي وذهب في قوله الجديد إلى أنها أربع عشرة سجدة وعد منها سجدات المفصل ولم يعد سجدة ص‏.‏

ـ واعلم ـ أن أول مواضع السجود خاتمة الأعراف‏.‏ وثانيها عند قوله في الرعد ‏{‏بالغدو والآصال‏}‏ وثالثها عند قوله في النحل ‏{‏ويفعلون ما يؤمرون‏}‏ ورابعها عند قوله في بني إسرائيل ‏{‏ويزيدهم خشوعًا‏}‏ وخامسها عند قوله في مريم ‏{‏خروا سجدًا وبكيًا‏}‏ وسادسها عند قوله في الحج ‏{‏إن اللَّه يفعل ما يشاء‏}‏ وسابعها عند قوله في الفرقان ‏{‏وزادهم نفورًا‏}‏ وثامنها عند قوله في النمل ‏{‏رب العرش العظيم‏}‏ وتاسعها عند قوله في الم تنزيل ‏{‏وهم لا يستكبرون‏}‏ وعاشرها عند قوله في ص ‏{‏وخر راكعًا وأناب‏}‏ والحادي عشر عند قوله في حم السجدة ‏{‏إن كنتم إياه تعبدون‏}‏ وقال أبو حنيفة والشافعي والجمهور عند قوله ‏{‏وهم لا يسأمون‏}‏ والثاني عشر والثالث عشر والرابع عشر سجدات المفصل وستأتي‏.‏ والخامس عشر السجدة الثانية في الحج‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثلاث في المفصل‏)‏ هي سجدة النجم وإذا السماء انشقت واقرأ باسم ربك‏.‏ وفي ذلك حجة لمن قال بإثباتها ويدل على ذلك أيضًا حديث ابن مسعود وابن عباس وأبي هريرة وأبي رافع وستأتي جميعًا‏.‏

ـ واحتج من نفى سجدات المفصل ـ بحديث ابن عباس عند أبي داود وابن السكن في صحيحه بلفظ‏:‏ ‏(‏لم يسجد صلى اللَّه عليه وآله وسلم في شيء من المفصل منذ تحول إلى المدينة‏)‏ وفي إسناده أبو قدامة الحارث بن عبيد ومطر الوراق وهما ضعيفان وإن كانا من رجال مسلم‏.‏

قال النووي‏:‏ حديث ابن عباس ضعيف الإسناد لا يصح الاحتجاج به انتهى‏.‏ وعلى فرض صلاحيته للاحتجاج فالأحاديث المتقدمة مثبتة وهي مقدمة على النفي ولا سيما مع إجماع العلماء على أن إسلام أبي هريرة كان سنة سبع من الهجرة وهو يقول في حديثه الآتي سجدنا مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم في ‏{‏إذا السماء انشقت‏}‏ و ‏{‏اقرأ باسم ربك‏}‏‏.‏

وأما الاحتجاج على عدم مشروعية السجود في المفصل بحديث زيد بن ثابت الآتي فسيأتي الجواب عنه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الحج سجدتان‏)‏ فيه حجة لمن أثبت في سورة الحج سجدتين ويؤيد ذلك حديث عقبة ابن عامر عند أحمد وأبي داود والترمذي وقال إسناده ليس بالقوي والدارقطني والبيهقي والحاكم بلفظ‏:‏ ‏(‏قلت يا رسول اللَّه فضلت سورة الحج بأن فيها سجدتين قال‏:‏ نعم ومن لم يسجدهما فلا يقرأهما‏)‏ وفي إسناده ابن لهيعة ومشرح بن عاهان وهما ضعيفان‏.‏

وقد ذكر الحاكم أنه تفرد به وأكده بأن الرواية صحت فيه من قول عمر وابنه وابن مسعود وابن عباس وأبي الدرداء وأبي موسى وعمار ثم ساقها موقوفة عنهم وأكده البيهقي بما رواه في المعرفة من طريق خالد بن معدان مرسلًا‏.‏

ـ وحديث الباب ـ يدل على مشروعية سجود التلاوة‏.‏ قال النووي في شرح مسلم‏:‏ قد أجمع العلماء على إثبات سجود التلاوة وهو عند الجمهور سنة وعند أبي حنيفة واجب ليس بفرض وسيأتي ذكر ما احتج به الجمهور وما احتج به أبو حنيفة‏.‏

2 - وعن ابن مسعود‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قرأ والنجم فسجد فيها وسجد من كان معه غير أن شيخًا من قريش أخذ كفًا من حصى أو تراب فرفعه إلى جبهته وقال‏:‏ يكفيني هذا قال عبد اللَّه‏:‏ فلقد رأيته بعد قتل كافرًا‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏غير أن شيخًا من قريش‏)‏ صرح البخاري في التفسير من صحيحه أنه أمية بن خلف‏.‏ ووقع في سيرة ابن إسحاق أنه الوليد بن المغيرة قال الحافظ‏:‏ وفيه نظر لأنه لم يقتل‏.‏ وفي تفسير سنيد الوليد بن المغيرة أو عقبة بن ربيعة بالشك وفيه نظر لما أخرجه الطبراني من حديث مخرمة بن نوفل قال‏:‏ لما أظهر النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم الإسلام أسلم أهل مكة حتى أن كان ليقرأ السجدة فيسجدون فلا يقدر بعضهم أن يسجد من الزحام حتى قدم رؤساء قريش الوليد بن المغيرة وأبو جهل وغيرهما وكانوا بالطائف فرجعوا وقالوا‏:‏ تدعون دين آبائكم ولكن في هذا نظر لقول أبي سفيان في حديثه الطويل الثابت في الصحيح أنه لم يرتد أحد ممن أسلم‏.‏

قال في الفتح‏:‏ ويمكن الجمع بأن النفي مقيد بمن ارتد سخطًا لدينه لا لسبب مراعاة خاطر رؤسائه‏.‏

وروى الطبراني عن سعيد بن جبير أن الذي رفع التراب فسجد عليه سعيد بن العاص بن أمية‏.‏ وذكر أبو حيان في تفسير أنه أبو لهب‏.‏ وفي مصنف ابن أبي شيبة عن أبي هريرة‏:‏ ‏(‏أنهم سجدوا في النجم إلا رجلين من قريش أرادا بذلك الشهرة‏)‏‏.‏

وللنسائي من حديث المطلب بن أبي وداعة قال‏:‏ ‏(‏قرأ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم النجم فسجد وسجد من معه فرفعت رأسي وأبيت أن أسجد ولم يكن المطلب يومئذ أسلم‏)‏‏.‏

وإذا ثبت ذلك فلعل ابن مسعود لم يره أو خصه وحده بذكره لاختصاصه بأخذ الكف من التراب دون غيره‏.‏

والحديث فيه مشروعية السجود لمن حضر عند القارئ للآية التي فيها السجدة‏.‏

قال القاضي عياض‏:‏ وكأن سبب سجودهم فيما قال ابن مسعود أنها أول سجدة نزلت وأما ما يرويه الأخباريون والمفسرون أن سبب ذلك ما جرى على لسان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم من الثناء على آلهة المشركين في سورة النجم فباطل لا يصح فيه شيء لا من جهة العقل ولا من جهة النفل لأن مدح إله غير اللَّه كفر ولا يصح نسبة ذلك إلى لسان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم ولا أن يقوله الشيطان على لسانه ولا يصح تسلط الشيطان على ذلك كذا في شرح مسلم للنووي‏.‏

3 - وعن ابن عباس‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم سجد بالنجم وسجد معه المسلمون والمشركون والجن والإنس‏)‏‏.‏

رواه البخاري والترمذي وصححه‏.‏

4 - وعن أبي هريرة قال‏:‏ ‏(‏سجدنا مع النبي صلى اللَّه عليه وسلم في إذا السماء انشقت واقرأ باسم ربك‏)‏‏.‏

رواه الجماعة إلا البخاري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏سجد بالنجم‏)‏ زاد الطبراني في الأوسط من هذا الوجه بمكة‏.‏ قال الحافظ‏:‏ فأفاد اتحاد قصة ابن عباس وابن مسعود‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏والجن‏)‏ كأن مستند ابن عباس في ذلك إخبار النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم إما مشافهة له وإما بواسطة لأنه لم يحضر القصة لصغره وأيضًا فهو من الأمور التي لا يطلع عليها إلا بتوقيف‏.‏ وتجويز أنه كشف له عن ذلك بعيد لأنه لم يحضرها قطعًا قاله الحافظ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏في إذا السماء انشقت واقرأ باسم ربك‏)‏ فيه دليل على إثبات السجود في المفصل وقد تقدم الخلاف في ذلك‏.‏

والحديثان يدلان على مشروعية سجود التلاوة وقد تقدم أنه مجمع عليه‏.‏

5 - وعن عكرمة عن ابن عباس قال‏:‏ ‏(‏ليست ص من عزائم السجود ولقد رأيت النبي صلى اللَّه عليه وسلم يسجد فيها‏)‏‏.‏

رواه أحمد والبخاري والترمذي وصححه‏.‏

6 - وعن ابن عباس‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم سجد في ص وقال‏:‏ سجدها داود عليه السلام توبة ونسجدها شكرًا‏)‏‏.‏

رواه النسائي‏.‏

7 - وعن أبي سعيد قال‏:‏ ‏(‏قرأ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو على المنبر ص فلما بلغ السجدة نزل سجد وسجد الناس معه فلما كان يوم آخر قرأها فلما بلغ السجدة تشزن الناس للسجود فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم‏:‏ إنما هي توبة نبي ولكني رأيتكم تشزنتم للسجود فنزل فسجد وسجدوا‏)‏‏.‏

رواه أبو داود‏.‏

الحديث الأول أخرجه أيضًا النسائي والحديث الثاني أخرجه أيضًا الشافعي في الأم عن ابن عيينة عن أيوب عن عكرمة وأخرجه أيضًا عن سفيان عن عمر بن ذر عن أبيه قال البيهقي‏:‏ وروي من وجه آخر عن عمر بن ذر عن أبيه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس موصولًا وليس بالقوي‏.‏

قال الحافظ‏:‏ وقد رواه النسائي من حديث حجاج بن محمد عن عمر بن ذر موصولًا‏.‏ ورواه الدارقطني من حديث عبد اللَّه بن بزيغ عن عمر بن ذر ونحوه‏.‏ وأعله ابن الجوزي به يعني بعبد اللَّه بن بزيغ وقد توبع وصححه ابن السكن‏.‏

والحديث الثالث سكت عليه أبو داود والمنذري ورجال إسناده رجال الصحيح وأخرجه أيضًا الحاكم وذكر البيهقي عن جماعة من الصحابة أنهم سجدوا في ص‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ليست من عزائم السجود‏)‏ المراد بالعزائم ما وردت العزيمة في فعله كصيغة الأمر مثلًا بناء على أن بعض المندوبات آكد من بعض عند من لا يقول بالوجوب وقد روى ابن المنذر وغيره عن علي عليه السلام أن العزائم حم والنجم واقرأ والم تنزيل‏.‏

قال الحافظ في الفتح‏:‏ وإسناده حسن قال وكذا أثبت عن ابن عباس في الثلاثة الأخر وقيل الأعراف وسبحان وحم والم أخرجه ابن أبي شيبة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولقد رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يسجد فيها‏)‏ في البخاري في تفسير ص من طريق مجاهد عن ابن عباس وكذا لابن خزيمة أنه سأل ابن عباس من أين أخذت السجود في ص‏.‏ فقال‏:‏ من قوله تعالى ‏{‏ومن ذريته داود وسليمان‏}‏ إلى قوله ‏{‏فبهداهم اقتده‏}‏ ففي هذا أنه استنبط مشروعية السجود فيها من الآية والذي في الباب يدل على أنه أخذه عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم ولا تعارض بينهما لاحتمال أنه استفاده من الطريقين وإنما لم تكن السجدة في ص من العزائم لأنها وردت بلفظ الركوع فلولا التوقيف ما ظهر أن فيها سجدة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏سجدها داود توبة ونسجدها شكرًا‏)‏ استدل به الشافعي على أنه لا يشرع السجود فيها في الصلاة لأن سجود الشكر غير مشروع فيها وكذلك استدل من قال بأن السجود فيها غير مؤكد بحديث أبي سعيد المذكور في الباب لأن الظاهر من سياقه أنها ليست من مواطن السجود لقوله صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏إنما هي توبة نبي‏)‏ ثم تصريحه بأن سبب سجوده تشزنهم للسجود‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏تشزن الناس‏)‏ بالشين المعجمة والزاي والنون‏.‏ قال الخطابي في المعالم‏:‏ هو من الشزن وهو القلق يقال بات علي شزن إذا بات قلقًا يتقلب من جنب إلى جنب‏.‏ استشزنوا إذا تهيئوا للسجود‏.‏

 باب قراءة السجدة في صلاة الجهر والسر

1 - عن أبي رافع الصائغ قال‏:‏ ‏(‏صليت مع أبي هريرة العتمة فقرأ إذا السماء انشقت فسجد فيها فقلت‏:‏ ما هذه فقال‏:‏ سجدت بها خلف أبي القاسم صلى اللَّه عليه وسلم فما أزال أسجد فيها حتى ألقاه‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فسجد فيها‏)‏ في رواية للبخاري‏:‏ ‏(‏فسجد بها‏)‏ والباء ظرفية‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقلت ما هذه‏)‏ قيل هو استفهام إنكار وكذا وقع في البخاري عن أبي سلمة أنه قال لأبي هريرة‏:‏ ‏(‏ألم أرك تسجد‏)‏ وحمل ذلك منه على استفهام الإنكار وبذلك تمسك من رأى ترك السجود للتلاوة في الصلاة ومن رأى تركه في المفصل ويجاب عن ذلك بأن أبا رافع وأبا سلمة لم ينكرا على أبي هريرة بعد أن أعلمهما بالسنة في هذه المسألة ولا احتجا عليه بالعمل على خلاف ذلك‏.‏

قال ابن عبد البر‏:‏ وأي عمل يدعى مع مخالفة النبي صلى اللَّه عليه وسلم والخلفاء الراشدين بعده‏.‏

والحديث يدل على مشروعية سجود التلاوة في الصلاة لأن ظاهر السياق أن سجوده صلى اللَّه عليه وآله وسلم كان في الصلاة‏.‏ وفي الفتح أن في رواية أبي الأشعث عن معمر التصريح بأن سجود النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم فيها كان داخل الصلاة وإلى ذلك ذهب جمهور العلماء ولم يفرقوا بين صلاة الفريضة والنافلة‏.‏

وذهب الهادي والقاسم والناصر والمؤيد باللَّه إلى أنه لا يسجد في الفرض فإن فعل فسدت واستدلوا على ذلك بما أخرجه أبو داود عن ابن عمر أنه قال‏:‏ ‏(‏كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقرأ علينا السورة‏)‏ زاد ابن نمير‏:‏ ‏(‏في غير الصلاة فيسجد ونسجد معه حتى لا يجد أحدنا مكانًا لموضع جبهته‏)‏‏.‏

وفي مسلم عنه أنه قال‏:‏ ‏(‏ربما قرأ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم القرآن فيمر بالسجدة فيسجد بنا حتى ازدحمنا عنده حتى ما يجد أحدنا مكانًا يسجد فيه في غير صلاة‏)‏ والحديث في البخاري بدون قوله في غير صلاة كما سيأتي‏.‏

وهذا تمسك بمفهوم قوله في غير الصلاة وهو لا يصلح للاحتجاج به لأن القائل بذلك ذكر صفة الواقعة التي وقع فيها السجود المذكور وذلك لا ينافي ما ثبت من سجوده صلى اللَّه عليه وآله وسلم في الصلاة كما في حديث الباب وحديث ابن عمر نفسه الآتي‏.‏

وبهذا الدليل يرد على من قال بكراهة قراءة ما فيه سجدة في الصلاة السرية والجهرية كما روي عن مالك أو السرية فقط كما روي عن أبي حنيفة وأحمد بن حنبل‏.‏

2 - وعن ابن عمر‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم سجد في الركعة الأولى من صلاة الظهر فرأى أصحابه أنه قرأ تنزيل السجدة‏)‏‏.‏

رواه أحمد وأبو داود ولفظه‏:‏ ‏(‏سجد في صلاة الظهر ثم قام فركع فرأينا أنه قرأ الم تنزيل السجدة‏)‏‏.‏

الحديث أخرجه أيضًا الطحاوي والحاكم وفي إسناده أمية شيخ لسليمان التيمي رواه له عن أبي مجلز وهو لا يعرف قاله أبو داود في رواية الرملي عنه وفي رواية الطحاوي عن سليمان عن أبي مجلز قال‏:‏ ولم يسمعه منه ولكنه عند الحاكم بإسقاطه‏.‏

قال الحافظ‏:‏ ودلت رواية الطحاوي على أنه مدلس‏.‏

والحديث يدل على مشروعية سجود التلاوة في الصلاة السرية وقد تقدم الخلاف في ذلك‏.‏